الاخبار

الجمعة، 1 يوليو 2016

الفوضى في مواجهة النظام

منشور في جريدة "الراي" الكويتية
2 يوليو 2016


كتب سهيل الحويك



أظهر استطلاع للرأي أقيم بين العامين 2013 و2014 بأن نصف الألمان يخشون الموت، بيد أن مسألة الخوف من إيطاليا في كل مرة يُدعى فيها المنتخب الألماني لمواجهتها في البطولات الرسمية لكرة القدم... لا تحتاج إلى استطلاع.

فقد تواجه الفريقان في ثماني مناسبات رسمية ما بين كأس العالم وكأس أوروبا، فتعادلا في اربع منها (دور المجموعات) فيما كانت الغلبة للطليان في الأربع الأخرى (الأدوار الإقصائية: نصف نهائي مونديال المكسيك 1970 بنتيجة 4-3، نهائي مونديال اسبانيا 1982 بنتيجة 3-1، نصف نهائي مونديال المانيا 2006 بنتيجة 2-صفر، ونصف نهائي «يورو 2012» في أوكرانيا وبولندا بنتيجة 2-1).

ولا شك في أن مواجهة اليوم تمثل لقاءً ما بين الفوضى والنظام.

الفوضى تمثلها إيطاليا التي تعاني بحسب القيّمين على اللعبة فيها وجماهيرها من رداءة الملاعب والبنى التحتية وتراجع مستوى بطولة الدوري فضلاً عن الفضائح المتتالية التي هزّت أركانها، حتى جرى التسليم بأن اللعبة الأكثر شعبية في «بلاد السباغيتي» تسير بالعافية ومن دون اي تخطيط.

وعندما أطلق المدرب الإيطالي السابق أريغو ساكي صرخته الشهيرة التي دعا من خلالها الى «بداية من الصفر»، لم يلقَ آذاناً صاغية، ولا يمكن اعتبار بلوغ المباراة النهائية لـ «يورو 2012» إنجازاً بل كان مجرد «فشة خلق» عابرة وغير مدروسة لا تمثل سوى ترقيع غير متوقع لثغرات كبيرة في الجسم الكروي «الأزرق».

حتى أن الأداء الراقي الذي قدمه الطليان بقيادة أنتونيو كونتي في «يورو 2016» لا يعتبر إيذاناً ببداية عصر، بل هو مجرد «ردة فعل» عابرة وترجمةً لتحفيز من مدرب «مجنون فنياً» سيرحل بعيد البطولة القارية لتولي مقدرات تشلسي الانكليزي.

لقد دخل «الآزوري» معترك المسابقة التي تستضيفها فرنسا غير مرشح للذهاب بعيداً فيها لأن حظوظ هذا الفريق غير مبنيّة سوى على أقوال فضفاضة تقول بأن «إيطاليا قوية في الأدوار الإقصائية»، وبأنه «لا يمكن التقليل من قوة إيطاليا»، بيد أنه لا يجدر نسيان واقع أن الطليان أنفسهم خرجوا من الدور الاول لبطولتي كأس العالم الأخيرتين (2010 و2014)، وهذا ما لا يليق بها، تخللته صدفة بلوغ نهائي «يورو 2012» حيث أذلوا برباعية إسبانية للتاريخ.

في المقابل، يتبنى الألمان النظام، ليس فقط في كرة القدم بل في أوجه الحياة كافة.

كل شيء منظم ومدروس، ملاعب على أعلى مستوى، بنى تحتية لا تضاهى، دوري يعتبر بين الأفضل، وفوق كل ذلك دراسات بعيدة المدى.

بعيد النكسات التي عاشتها الكرة الالمانية مطلع الألفية، لم تُخدَع ببلوغ نهائي مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان.

كانت تعلم بأنها لم تعد «كبيرة»، فجرى وضع مخطط لعشر سنوات مقبلة يتحتم بعدها التتويج بلقب كبير.

فُرض على الاندية اعتماد اكاديميات لتفريخ اللاعبين، وهو شرط للمشاركة في مسابقات الاتحاد.

من هذه الاكاديميات، تخرّج مانويل نوير وسامي خضيرة وتوماس مولر وتوني كروس ومسعود أوزيل وغيرهم من أبطال العالم 2014.

وبناءً على كل هذه المعطيات، لا بد لألمانيا أن تفوز اليوم على ايطاليا، وهذا بلا شك يعتبر انتصاراً للألمان ومكافأة بديهية على جهودهم وجديتهم ونظامهم، كما سيكون مكافأة لإيطاليا كي تصحو من سباتها وتدرك موقع كرتها بالتحديد، ولا تقع ضحية «فلتة شوط» أوصلتها الى ادوار متقدمة في بطولة رسمية.

أشارت إحدى الدراسات الى أن الإنسان يولد حاملا خشيتين، الاولى من الوقوع والثانية من الأصوات العالية، بيد أن الالماني، ومنذ مونديال 1970، كبرت لديه خشية جديدة تمثلت في مغبّة الوقوع وجهاً لوجه مع ايطاليا في البطولات الكبرى.

هي حقيقة يتوجب على يواكيم لوف ورجاله وضع حد نهائي لها، وإلا... فـ «عاشت الفوضى».

الجمعة، 6 مايو 2016

لو كنت غوارديولا

عندما أعلن نادي بايرن ميونيخ، متصدر الدوري الألماني لكرة القدم، عن تعاقده مع المدرب الاسباني جوسيب غوارديولا خلفاً ليوب هاينكيس، كان الفريق في خضم الموسم 2012-2013 الذي شهد في ختامه تتويجه بالثلاثية التاريخية (الدوري والكأس المحليين ودوري أبطال أوروبا).

بمعنى آخر لم يكن بايرن في المكانة والمكان اللذين شغلهما في نهاية ذاك الموسم «الذهبي» عندما قرر رئيس النادي في تلك الفترة أولي هونيس جلب «بيب».

لا شك في أن «اف سي هوليوود» - وهو لقب بايرن ميونيخ - فرض نفسه منافساً جدياً للعملاقين ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين اللذين «احتلا العالم». كان الفريق الوحيد الذي دخل خط الصراع الثنائي بين قطبَي اسبانيا، فأصبح الثلاثي في وادٍ والرموز الأوروبية الأخرى، كيوفنتوس وميلان وانترميلان الايطالية، مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وأرسنال وتشلسي الانكليزية، وباريس سان جرمان الفرنسي، في وادٍ.

هذا الواقع فرض على «دي روتن»، أي «الحمر» نسبةً إلى زي بايرن، رفع سقف الطموحات الى حدود عليا لا ترضى عن الفوز بدوري أبطال أوروبا بديلاً.

قدوم غوارديولا كان مثالياً من وجهة نظر فنية. لماذا؟ لأنه عليم وخبير بأمور وتفاصيل ريال وبرشلونة بفعل جنسيته أولاً وقيادته الفريق الكاتالوني لفترة ليست بالقصيرة حقق معه فيها 14 لقباً.

بايرن، صاحب الفكر الالماني الصميم، كان يعلم بأن حاجزين لا ثالث لهما يقفان بينه وبين تزعّم أوروبا: ريال مدريد وبرشلونة، بيد انه وجد نفسه بُعيد تعيين «بيب» زعيماً لـ«القارة العجوز»، فاعتبر بأن قدوم الأخير من شأنه تمديد تلك الزعامة من باب أن «زيادة الخير... خير».

في الموسم الاول مع بايرن (2013-2014)، بلغ غوارديولا برجاله نصف نهائي الـ«تشامبيونز ليغ» فسقط بخماسية امام ريال (صفر-1 ذهابا في «سانتياغو برنابيو» وصفر-4 في «أليانز آرينا») بعد ان تمسك بـ«الاستحواذ» في وقت كان الأجدى فيه أن يتحلى بالواقعية الالمانية وهو يواجه «العملاق المدريدي».

تفصيل بسيط كان من شأنه تحاشي الفضيحة أمام «الملكي»: الزج بالاسباني خافي مارتينيز أساسياً ليلعب امام قلبَي الدفاع.

في الموسم الثاني (2014-2015)، وصل «الفيلسوف» برجاله الى دور الاربعة من البطولة الاوروبية مجدداً فوجد نفسه امام برشلونة الذي يعرف عنه حتى تفاصيله المملّة.

في الذهاب في «كامب نو»، بدا ان المباراة متجهة الى تعادل سلبي ممتاز لبايرن الذي افتقد الى الفرنسي فرانك ريبيري والهولندي آريين روبن والنمسوي دافيد ألابا ومارتينيز وهولغر بادشتوبر.

الدقيقة 75 في كرة القدم تعتبر محطة لتغييرات تكتيكية. «بيب» لم يحرّك ساكناً. سجل الأرجنتيني ليونيل ميسي الهدف الاول. لم يتحرك «الفيلسوف» لرأب الصدع الذي بدا أنه متجه إلى أسوأ. بقي يلعب متقدّماً. «أكل» البايرن الهدف الثاني عبر ميسي ثم الثالث عبر البرازيلي نيمار دا سيلفا.

في الاياب على «أليانز آرينا»، فاز الفريق البافاري 3-2 إلا انه ودع في نصف النهائي للمرة الثانية توالياً أمام فريق كان يُنتظر من «بيب» أن يكشفه.

وفي الموسم الثالث (2015-2016)، بلغ غوارديولا نصف النهائي حاصلاً على فرصة ذهبية ليثأر لنفسه من كل من شكك في قدراته. الخصم لم يكن برشلونة أو ريال. كان فريقاً يعيش في ظلّ العملاقين: أتلتيكو مدريد.

في الذهاب، أُبقي توماس مولر على دكة البدلاء فخسر بايرن في «الكالديرون» بهدف، ثم فاز إياباً 2-1 وودّع.

كان معلوماً بأن «الهنود» - وهو لقب لاعبي اتلتيكو - «لن يلعبوا» بل سيتسمّرون في الخطوط الخلفية بانتظار الفرج من هجمة مرتدة قد تأتي وقد لا تأتي. جاءت «المرتدة» وسجل منها الفرنسي انطوان غريزمان هدف التأهل في عرين مانويل نوير الذي أمضى معظم زمن المباراتين «متفرجاً».

اغتيل «بيب» حيث كان الجميع يعلم بأن عليه اتخاذ أقصى درجات الحذر.

كانت سقطة كبيرة لـ«الفيلسوف» خصوصا أنها جاءت حيث كان يتوجب عليه بالمنطق أن يلمع.

الحصيلة بعد ثلاثة مواسم: ألقاب محلية وكأس سوبر أوروبية وكأس عالم للأندية لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة الى نادٍ أراد من مدرب لقباً واحداً هو دوري الأبطال على حساب فريقين يشكلان التهديد الوحيد بالنسبة له.

فشل غوارديولا حيث كان عليه أن ينجح، ولم يتعلم من أخطاء اقترفها في ثلاثة مواسم.

لو كنتُ غوارديولا... لما سامحتُ نفسي على «جرائم» اقترفتُها في حق بايرن، سواء عن قصد أو عن غير قصد.

السبت، 2 أبريل 2016

كلاسيكو «الترفيه»

منشور في جريدة "الراي" في 2 نيسان/ابريل 2016

كتب سهيل الحويك


صحيح أن مباريات عدة حول العالم تستقطب الاهتمام وتشكل مواعيد مفصلية موسمياً بالنسبة إلى عشاق كرة القدم، بيد ان «كلاسيكو اسبانيا» يبقى الأبرز.

لن نغوص في جذور الصراع بين ريال مدريد «المركزي» وبرشلونة «الثائر»، فالكل يعلم برغبة شريحة كبيرة من «مواطني» الاقليم الكاتالوني بالاستقلال عن اسبانيا، وبينهم جوسيب غوارديولا مدرب بايرن ميونيخ الالماني، كما لا نغفل تمسك الكاتالونيين بلغتهم وإصرارهم على اعتمادها رسميةً في مواجهة لغة الدولة.

في إحدى زيارات كاتب هذه السطور إلى اسبانيا، وتحديداً الى مدينة خيريز التي سبق للالماني برند شوستر ان درب فريقها، سألت بعضاً ممن التقيتهم عن اشكالية استقلال كاتالونيا عن اسبانيا.

أعتقد بأن المتلقي فهم سؤالي جيداً، خصوصاً أنني ملمٌّ كتابةً وتحدثاً باللغة الفرنسية التي تشبه إلى حد ما ابنة عمّها الاسبانية.

ومما فهمت منه أن الكاتالونيين (مشجعي برشلونة وليس مشجعي اسبانيول) يفرحون أكثر بكثير بانتصارات برشلونة عنه بانتصارات منتخب اسبانيا لأن الأخير يعتبر بمثابة الممثل الرسمي للحكم المركزي في العاصمة.

كما استنتجتُ بأن لاعبي برشلونة في المنتخب يبحثون عن مجد لأنفسهم أكثر مما يبحثون فيه عن مجد يُجيَّر للأمة.

شعرتُ في جانب من الحديث وكأن اسبانيا تستغل لاعبي برشلونة «الثوّار» فقط لتحقيق أمجاد باسمها، وتساءلت: ماذا لو استقلّت كاتالونيا عن اسبانيا في يوم من الايام؟ ماذا سيحلّ بالألقاب التي تحققت على يد «لا فوريا روخا» في «يورو 2008» ومونديال 2010 و«يورو 2012» خصوصا انها جاءت ودون جدال بفضل لاعبي برشلونة بالتحديد؟

ستبقى الألقاب في حال استقلال الاقليم إسبانيةً، لكن كاتالونيا سترفع في تلك اللحظة التاريخية الصوت قائلة: مجد إسبانيا أُعطي لها بفضلنا.

لا شك في أن اللقاء «المفترض» بين المنتخب الاسباني ومنتخب كاتالونيا، ربما في تصفيات كأس العالم أو نهائياتها أو في البطولة الأوروبية سيكون بالتأكيد الانعكاس الصحيح لما يريده أبناء الإقليم من كرة القدم في مواجهة «الدولة المركزية» التي ما أراد السواد الأعظم منهم يوماً العيش في كنفها.

الى هذه الحدود تُعتبر مباريات الـ«كلاسيكو» بين ريال مدريد وبرشلونة حسّاسة.

قد يصبغها البعض بصراع ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، إلا أنها في الواقع أكبر من ذلك بكثير، وما المواجهة بين الأرجنتيني والبرتغالي سوى وجه عابر من صور كبيرة لهذه الموقعة التي ستبقى الأبرز بصرف النظر عن اللاعبين المتنافسين على مسرحها وجنسياتهم.

كثيرةٌ هي التسميات التي أطلقت على مباراة الغريمين، بينها «كلاسيكو الأرض»، وهو برأيي مبالغة كبيرة لأن ثمة مباريات أخرى كبيرة حول العالم كتلك التي تجمع بين الغريمين الارجنتينيين بوكا جونيورز وريفر بلايت، انترميلان وميلان الايطاليين، باريس سان جرمان ومرسيليا الفرنسييين، بايرن ميونيخ ومواطنه بوروسيا دورتموند، مانشستر يونايتد وليفربول الانكليزيين وغيرها، لكن اللافت ان مواجهة برشلونة - ريال باتت موعداً ليس فقط لعشاق كرة القدم المخلصين بل حتى لمن لا صلة وثيقة بينهم وبين اللعبة.

هؤلاء لا يجذبهم من كرة القدم الا هذه المباراة التي باتت تدخل في اطار «الترفيه» أكثر من المنحى الرياضي الذي تنطوي عليه.

ربما لهذا السبب فقط يُستحسن ان تسمى المباراة بـ «كلاسيكو الأرض»... فهي تجمع تحت لوائها من له ومن ليس له علاقة بكرة القدم.

الخميس، 17 مارس 2016

شكراً «يوفي» ... شكراً بايرن

منشور في جريدة "الراي" الكويتية في 18 آذار/مارس 2016

كتب سهيل الحويك

في لبنان، قام عدد كبير من مشجعي نادي النجمة قبل أيام بـ «انقلاب» على القرارات التي تمنع الجماهير من حضور مباريات كرة القدم، فتجمّعوا على تخوم ملعب بلدية برج حمود في بيروت للدخول والاستمتاع بما «يفشّ خلقهم» وسط ضائقة النفايات والمشاكل الاقتصادية، وفكّوا الحصار وتابعوا فوز فريقهم «العريق» على الحكمة ضمن الدوري المحلي من على المدرجات.

هذا وجهٌ من أوجه كرة القدم الحقيقية.

في الأساس، وُجدت هذه اللعبة للاستمتاع بها، وهي بعيدة كل البعد عن تلك الاجتماعات التي يعقدها مسؤول من هنا وأمين عام من هناك، ولا تمت بصلة الى انتخابات رئاسية من هنا ولا الى تعيينات إدارية من هناك.

يحاول البعض استغلال نفوذه لفرض سيطرة معينة على كرة القدم التي لطالما سُلّطت الأضواء عليها لكن التاريخ تحدث كثيراً عن رحيل كثيرين من هؤلاء دون أثر... وبقاء اللعبة وحب الجمهور لها.

ولا شك في أن الأحاسيس التي فرضتها مباراة مساء أول من أمس بين بايرن ميونيخ الالماني ويوفنتوس الايطالي ضمن جولة الإياب من دور الـ 16 لمسابقة دوري أبطال أوروبا، والتبدلات الدراماتيكية التي عاشتها، تشكل تلك الجزئية التي يعشقها الجمهور، بعيداً عن أوبئة الانتخابات وأمراض المصالح.

هذه هي كرة القدم، تخطف الأنفاس، تعيش نبض «غير المتوقع»، وتجعل منا رهائن أهوائها.

بايرن ميونيخ بلغ تخوم «النهاية»، كيف لا وقد تأخر بهدفين على أرضه «أليانز آرينا»، ثم في ظرف 17 دقيقة عاد إلى الحياة مجدداً 2 - 2.

وفي الشوط الإضافي الثاني، قضى تماماً على فريق «السيدة العجوز» (4 - 2) بعد أن كان لتوّه يجهّز مراسم «الجنازة» ويستعد لوداع دوري الابطال من الدور الثاني للمرة الاولى منذ الموسم 2010-2011.

أطلق الحارس الايطالي العملاق جانلويجي بوفون العنان لصرخة الخلاص بعد كل هدف من هدفي فريقه، كان يعتقد بأن المهمة أنجزت.

حتى «العنكبوت» بوفون يخطئ، ربما، لأن المباراة لا تنتهي هنا بل أن لديها تتمة، لكن تسجيل الاهداف يستلزم احتفالاً بغض النظر عمّا تخفيه الدقائق التالية لها.

الهولندي آريين روبن احتفل هو الآخر ومدربه الاسباني جوسيب غوارديولا بهدفه في مباراة الذهاب في تورينو، معتقداً أن التقدم 2-صفر خارج الديار يعني التأهل.

أخطأ روبن أيضاً لأن الـ «يوفي» عادل الأرقام 2 - 2 أمام جماهيره، ثم تقدم بهدفين في ميونيخ.

غوارديولا عاش ليلة متناقضة في كل شيء. كان حتى ما قبل الدقيقة 73 المدرب الفاشل الذي عجز عن إيصال بايرن ميونيخ الى منصة التتويج في دوري الابطال خلال ثلاثة مواسم قضاها معه قبل ان يشد الرحال الى مانشستر سيتي الانكليزي، إلا أنه وبعد صافرة الختام، استعاد «الروح» والاحترام على التبديلين اللذين قلبا المباراة رأساً على عقب.

الاسباني البرازيلي الأصل تياغو ألكانتارا والفرنسي كينغسلي كومان «المعار من يوفنتوس»... صنعا الفارق.

من فاز في أمسية الأربعاء المجنونة؟ بالطبع ليس رئيس الاتحاد ولا أمين سره.

«معشر كرة القدم الحقيقية» هو من فاز بفضل تلك المشاعر التي فرضتها عليه تلك المباراة التاريخية التي لن تنسى من ذاكرة كرة القدم.

شكراً «يوفي»... وشكراً بايرن.

الخميس، 25 فبراير 2016

لكم كُرتكم ... ولي كُرتي

 
 كتب سهيل الحويك



اليوم هو اليوم الكبير بالنسبة إلى كثيرين. هو يوم انتخاب «رئيس جمهورية كرة القدم».

وسائل الإعلام من كل حدب وصوب توافدت إلى زيوريخ لنقل الأحداث والتفاصيل ... ومحاولة الدخول إلى كواليس العملية الانتخابية.

كل ذلك من أجل ماذا؟ اختيار رئيس للاتحاد الدولي. ولكن ماذا يعني كل ذلك بالنسبة إلى عشاق اللعبة «الحقيقيين»، أعداء المكاتب وعشاق الملاعب؟

لا شك في أن «معشر كرة القدم الحقيقي» يفضل متابعة مباراة أوروبية أو ربما مواجهة محلية ساخنة على ان يراقب تقاطر أصحاب الأطقم السوداء بربطات العنق المختلفة إلى حيث تجرى الانتخابات اليوم.

هذه ليست كرة القدم بالتأكيد. كرة القدم ليست هناك، بل هي في عبقرية الأرجنتيني ليونيل ميسي، وذكاء البرتغالي كريستيانو رونالدو. هذا لا يمت بصلة إلى روعة برشلونة وبايرن ميونيخ، واجتهاد ريال مدريد.

هذا بعيد كل البعد عن سباعية ألمانيا التاريخية في البرازيل، ودموع ذاك الصبي في مدرجات استاد «بيلو هوريزونتي»، او عن هدف الهولندي روبن فان بيرسي في مرمى الحارس الاسباني ايكر كاسياس في مونديال 2014.

انتخابات بعيدة كل البعد عن جنون عشاق «الملكي» بـ«العاشرة».

لا تمتّ بصلة الى روعة ليستر سيتي الذي يتصدر الدوري الانكليزي الممتاز وتألق جايمي فاردي والجزائري رياض محرز.

بالتأكيد هي لن تهزّ شعرة في جسد الألماني يورغن كلوب الساعي الى لقب اول مع ليفربول بعد أيام في نهائي كأس رابطة الاندية الانكليزية المحترفة امام مانشستر سيتي في «ويمبلي».

انتخابات لا تفهم المعنى الحقيقي لتصدر سبورتينغ لشبونة الدوري البرتغالي امام جاره اللدود في العاصمة بنفيكا.

ربطات عنق لا ترتبط بأي صلة مع حمّى الصراع بين الأهلي والزمالك في الموسم الراهن على لقب الدوري المصري بعد أن ذاب الفارق في الصدارة الى 3 نقاط.

وهل تكترث جماهير الهلال والنصر والاهلي والاتحاد في السعودية بأي شيء سوى بفرقها في المنافسات المحلية او الآسيوية؟

لا تقل لي اليوم بأن الاسباني جوسيب غوارديولا يكترث برئاسة «الفيفا» بقدر اهتمامه بإنهاء مسيرته مع بايرن ميونيخ متوّجاً بكأس دوري ابطال اوروبا.

في تركيا، لا مجال لمتابعة «حفلة الانتخابات» في حال اجتمع غلطة سراي مع فنربغشة أو بشيكتاش على مائدة مباراة قمة.

ما هي الصلة بين «الجوهرة السوداء» بيليه، والنابغة الارجنتينية دييغو أرماندو مارادونا، و«الهولندي الطائر» يوهان كرويف وانتخابات اليوم وانتخابات أمس وانتخابات السنوات الماضية؟

هدف الهولندي ماركو فان باستن في مرمى الحارس «السوفياتي» رينات داساييف في نهائي «يورو 1988» على «الملعب الأولمبي» في ميونيخ قد يساوي كل تلك الانتخابات.

هدف الكولومبي خاميس رودريغيز في مرمى الاوروغواي في كأس العالم الأخيرة لا يشكو من شيء.

هدف الويلزي غاريث بايل في مرمى برشلونة «عندما هْرَبْ»... هو صلب كرة القدم.

تسديدة الايطالي فابيو غروسو من ركلة ترجيح في مرمى الحارس الفرنسي فابيان بارتيز والتي منحت كأس العالم 2006 للطليان بعد غياب ... هي ما يمثل «الحسم».

اداء الفرنسي زين الدين زيدان امام البرازيل في ربع نهائي المونديال نفسه قد يكون في مكان ما «كرة القدم بحد ذاتها».

هدف البرازيلي جوسيمار في مرمى إيرلندا الشمالية في كأس العالم 1986، ثلاثية الايطالي باولو روسي في مرمى «راقصي السامبا» قبلها بأربعة أعوام.

رباعية اسبانيا في مرمى ايطاليا في نهائي «يورو 2012».

مارادونا يغربل الدفاع الانكليزي ويسجل الهدف الثاني ويبلغ بفريقه نصف نهائي كأس العالم 1986، دون ان ننسى ما ادعاه حول تدخّل «يد الله» في تسجيل الهدف الاول تحت انظار الحكم التونسي علي بن ناصر.

عودة ليفربول من تأخر بثلاثية امام ميلان الايطالي في نهائي دوري الابطال 2005 ومن ثم انتزاع اللقب بركلات الترجيح.

سداسية برشلونة، ثلاثية مورينيو مع إنترميلان.

تتويج الدنمارك في «يورو 92» على حساب المانيا، واليونان في «يورو 2004» على حساب البرتغال.

فوز منتخب الكويت بكأس آسيا 1980، والتأهل التاريخي الى المونديال، من دون ان ننسى التعملق في أولمبياد موسكو 1980.

حناجر المعلقين من البرازيل الى الارجنتين فأفريقيا وأوروبا، وصولاً الى آسيا فأوقيانيا. حناجر تقشعر لها الأبدان.

صخب الملاعب، «فوفوزيلا جنوب افريقيا» المزعجة، رحيل الكاميروني مارك فيفيان فويه في ارض الملعب خلال كأس القارات 2003 في ليون الفرنسية.

قصصٌ تبدأ ولا تنتهي. قصصٌ تُبكي وتُفرح، قصصٌ هي بحق كرة القدم التي نريدها ... نحن العشاق الحقيقيّون لـ «المستديرة الساحرة».

لكل هؤلاء اليوم في زيوريخ أقول: لكم كرتكم ... ولي كرتي.