منشور في "النهار" اللبنانية
كتب: سهيل الحويك
في وقت يسعى فيه
السياسيون في واشنطن ولندن الى تغليظ العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، لا
يشعر الاتحادان الدولي والاوروبي لكرة القدم بحرج ازاء استكمال ملء جيوبهم قدر
المستطاع بملايين الروبلات الروسية.
صحيح انه جرى اسدال
الستار على كأس العالم 2014 في البرازيل قبل اسابيع قليلة، بيد ان فتيل
الاستعدادات للنسخة المقبلة المقررة عام 2018 في روسيا أُشعل قبل أشهر من ذلك، فقد
وقّع الاتحاد الدولي (فيفا) عقد رعاية جديد مع شركة "غازبروم" الروسية لمدة
اربعة اعوام في سوتشي خلال ايلول/سبتمبر الماضي.
بالاضافة الى ذلك،
ترتبط مسابقة دوري ابطال اوروبا التي تفرض نفسها بقوة في صدارة اكثر البطولات
حضوراً في صلب مشهد البث التلفزيوني، بشركة الطاقة الروسية نفسها وإن بسيناريو اوسع.
"غازبروم"
هي احدى الجهات الثماني الاكثر ضخاً للأموال في "تشامبيونز ليغ"، الى
جانب "نيسان"، "هاينيكن"، "ماستركارد"، "سوني"،
"يونيكريدت" و"إتش تي سي"، وتحظى هذه الجهات بحق الظهور على
اللوحات الاعلانية للملاعب، وفي المؤتمرات الصحافية التي تلي المباريات عادةً.
كما تبرز
"غازبروم" في مواقع اخرى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الاعلانات
التي تبث في احدى القنوات البريطانية وتربط الشركة الروسية بدوري الابطال، اذ يقول
شعار احدها: "نحن نشعل كرة القدم".
وفي كل مرة تظهر
نوادي زينيت سان بطرسبرغ الروسي، شالكه الالماني، رد ستار بلغراد الصربي،
وتشلسي الانكليزي في احدى المباريات، فمن السهل رؤية شعار "غازبروم"،
الذي تملك الحكومة الروسية معظم اسهمها، على قمصان لاعبيها او بين ثلة رعاتها.
كل ذلك يثبت مدى
الارتباط العضوي بين التجارة والرياضة.
"غازبروم"
تمتلك نادي زينيت فقط وهي بالتالي لا تخالف قوانين الاتحاد الاوروبي للعبة
التي تحظر على اي جهة امتلاك فريقين او اكثر تتنافس ضمن البطولة نفسها.
وعندما جرى الاتفاق
بين شركة الغاز الروسية و"فيفا" خلال الخريف الماضي، وقف الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين الى جانب اليكسي ميلر، الرئيس التفيذي في "غازبروم"،
والسويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي للعبة خلال توقيع العقود وقال إن "الصفقة
مهمة ونبيلة".
أما ميلر فصرح:
"غازبروم ليست فقط اكبر شركة غاز في العالم بل هي الاكثر ارتباطاً بكرة القدم
من الناحية العاطفية"، وتابع: "انا متأكد بأن هذا التعاون سيلعب دوراً
ايجابياً على صعيد سمعة الشركة ويمنح العلامة التجارية دفعة مهمة على مستوى
العالم".
من جهته، يرى روب
هيوز، الكاتب في صحيفة "انترناشونال نيويورك تايمز" أن "الروس
يميلون دائماً الى التمويه في مسألة استثماراتهم الضخمة في الرياضة لأننا نادراً
ما نتمكن من معرفة قيمة الاموال التي يضخّونها في هذا القطاع"، ويضيف:
"الاتحادان الدولي والاوروبي لكرة القدم جمعا ثروتيهما من عقود البث
التلفزيوني حول العالم، ودأبا على الطلب من كل من يرتبط بهما (الاتحادات المحلية والنوادي)
احترام قواعد مالية محددة والكشف عن حساباتهم في وقت لا يلتزما بحد ذاتهما الكشف
عن تفاصيل عقودهما المبرمة مع شركات عالمية كبيرة والتي تتم عادةً بسرية ويلفّها غموض
مطبق".
قبل ثماني سنوات فقط،
قامت "ماستركارد" بمقاضاة "فيفا" الذي لم يحترم عقداً طويل الأمد
يربط الطرفين وقام بالتوقيع مع "فيزا"، الامر الذي يؤكد الى وجود اموال
متداولة على هذا الصعيد، بيد ان احداً لا يعرف قيمتها الحقيقية.
بعد هذه القضية، ارادت
"ماستركارد" البقاء في صلب المشهد الرياضي فقررت الارتباط
بـ"تشامبيونز ليغ".
في صربيا، جرى تداول معلومات حول ان الاتفاق بين نادي ريد ستار بلغراد و"غازبروم" والذي بدأ العمل به في 2010، بلغت قيمته حوالي 3.8 ملايين دولار اميركي في السنة.
في صربيا، جرى تداول معلومات حول ان الاتفاق بين نادي ريد ستار بلغراد و"غازبروم" والذي بدأ العمل به في 2010، بلغت قيمته حوالي 3.8 ملايين دولار اميركي في السنة.
اما الارتباط بشالكه
الالماني والذي ابصر النور في 2007 قبل ان يجري تمديده حتى 2017، فيصل بقيمته الى
سبعة اضعاف ما يُدفع لريد ستار.
معلوم ان احداً ممن
له صلة، سواء من قريب او من بعيد، بالاتفاق بين شالكه و"غازبروم" لم
ينكر بأن الصفقة ما كانت لتتم لولا تدخّل السياسيين حين كان النادي الالماني يعاني
مادياً في وقت كانت روسيا في طور مدّ خط انابيب اسفل بحر البلطيق لتأمين حاجات
المانيا من الطاقة.
القول
المأثور القديم الذي كان يدعو الى ابقاء السياسة بعيداً عن الرياضة، وهو الشعار المرتبط
ارتباطاً وثيقاً بالاتحادين الدولي والاوروبي لكرة القدم واللجنة الاولمبية
الدولية، بات مهملاً نتيجة الضرورات المالية في زمننا الحالي.
ما هو متّبع
في رعاية دوري ابطال اوروبا هو نفسه المعمول به في ما خصّ كأس العالم لناحية دفع
الاموال للهيئة المنظمة لكل من المسابقتين، كما ان الرعاة هو نفسهم تقريباً على
الجبهتين.
"اديداس"،
شركة الملابس والمستلزمات الرياضية الالمانية، هي راعية كأس العالم ودوري ابطال
اوروبا، لكن هذا لم يمنع منافستها "نايكي" الاميركية من التوقيع مع نخبة
من النجوم لانتعال احذيتها.
ويقال إن
اي شريك رسمي ملتزم بدفع ما بين 24 و44 مليون دولار سنوياً كي تظهر علامته
التجارية الى جانب شعار "فيفا".
هذه
المبالغ لا تشكل سوى جزء بسيط من قيمة انتقال اي نجم من المستوى السوبر من ناد الى
آخر ولا تقارن مثلاً باتفاقية الغاز التي ابرمت بين روسيا والصين وناهزت الـ400
مليار دولار.
تغلغُل
المال في تفاصيل الرياضة بات واقعاً. وكرة القدم في ايامنا الحالية هي بمثابة الاداة
بالنسبة الى الاعمال والسياسة لتحقيق اهداف معينة دونما التدخل في نتائج المباريات
وما الى ذلك.
صحيح ان
ثمة قوانين في فرنسا على سبيل المثال تحظر ظهور عدد من الشعارات والاسماء والعلامات
التجارية الخاصة بشركات تنتهك حظر البلاد لاعلانات الكحول قبل وخلال وبعد
المباريات، بيد ان كل ما عدا ذلك يمرّ.
عندما
ننظر الى فريق مثل ريال مدريد الاسباني الذي سيبدأ الموسم المقبل بأسماء لامعة يتقدمها
البرتغالي كريستيانو رونالدو، الويلزي غاريث بايل، الفرنسي كريم بنزيمة،
والكولومبي جايمس رودريغيز في الهجوم، الى تواجد الالماني طوني كروس، بطل العالم،
في الوسط لمد هؤلاء بالكرات، قد نستوعب دور المال في الرياضة.
هؤلاء
اللاعبين الذين لا يتواجد بينهم عنصر اسباني واحد يشكلون جبهة عالمية متعددة
الجنسيات جرى بناؤها بفضل ملايين الدولارات التي افرزها مشروع تسويقي تجاري سلعته
الوحيدة ... كرة القدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق