الاخبار

السبت، 24 مايو 2014

ريال - اتلتيكو ... كلمات ليست كالكلمات








كتب: سهيل الحويك


استاد "النور" في العاصمة البرتغالية لشبونة صرحٌ رياضيٌ تاريخيٌ يشهد على مباريات مرّ عليها الزمن مرور راسخٍ في السجلات السميكة.
اليوم هو امتدادٌ للأمس بيد ان ثمة احداثاً يتوقف عندها الزمن قيد برهة صارخاً في اذن الماضي والمستقبل بلهجة الحاضر: انا التاريخ ... فلتفتح الساحات احضانها لاستقبالي.
ريال مدريد اجتاح لشبونة بسجل متخم بعراقة، بينما وصلها جاره اتلتيكو مفعماً بروحيّة الـ"كومندوس".
بتاريخ مجيد يطل "الملكي" اليوم علينا في نهائي دوري ابطال اوروبا.
وبفرصة ذهبية يفرض "روخيبلانكوس" نفسه على الساحة لابساً رداء "اسبرطة" الخالدة في ذهن المنطق المسحوق.
صحيح ... هو مستطيل أخضر سيكشف هوية بطل في ختام امسية شعرية ستُكتب بحروفِ عرقٍ ومسحة جبهة مشتاق وعيون مسمّرة على كأس لا تعرف الوفاء سمة حياة.
مساء اليوم، يحتضن استاد "النور" مباراة ليست ككل المباريات.
هي معركة، لا بل حرب شوارع بين خصمين يعرفان بعضهما البعض خير معرفة. فقد تربّيا في أزقة مدريد معاً على مفارق التاريخ ونواصي الجغرافيا.
التحدي بين قطبي مدريد لا يعترف بعضلات او ترشيحات مسبقة. انه وليد ساعته.
اعلى نقطة من منصة التتويج تساوي عرشاً عاجياً ستلتفت نحوه كل عين ظمآنة لرؤية بطل بسط سطوته وسحره ورجولته على "قارة عجوز" لطالما بدّلت ملاحمها لإغواء فرسان ماتوا في سبيلها.
بالأمس ارتمى بايرن ميونيخ الالماني في أحضانها، في استاد "ويمبلي"، وها هي تلفظ "العملاق البافاري" وتجدد شبابها استعداداً لليلة مع فارس جديد.
ريال مدريد يريدها ليلة سطوع "نجمة عاشرة" تزيد تاريخه نوراً وتشرعن أصالته التي تغنّى بها طويلاً ... بعيداً عن القمة الاوروبية.
الايطالي كارلو انشيلوتي، بحاجبه المتعالي، يسعى الى تضميد جراح من سبقوه منذ فيسنتي دل بوسكي 2002، ودخول تاريخ نادي القرن.
اتلتيكو يريدها ولادة قيصرية على يدي مدرب شاب هو الارجنتيني المفعم حماساً دييغو سيميوني جاء ليقوم بما كان بالأمس القريب مستحيلاً، فصنع ما لم يكن في حساب منطق.
بعقلية حرب فيتنام التي شهدت تفوق الارادة المحلية على الاسطورة الاميركية، يخوض "الهنود الحمر" معركتهم اليوم.
حتى النفس الاخير سيحاول البرتغالي كريستيانو رونالدو.
حتى الرمق الاخير سيسعى البرازيلي-الاسباني دييغو كوستا.
هي كأس بأذنين كبيرتين لا تنصتان سوى لهمسات بطل يروي غليلها رجولةً وعناقاً ووصالاً يتعدى حدود النشوة الآنية.
كأس بأذنين لا تسمعان سوى أنفاس فارس أرادها عشيقة ليلة، خليلة موسم، فحاضرة أبداً في سجل بطولاته وملاحمه.
بين ريال واتلتيكو ... كأس وتاريخ و٩٠ دقيقة وربما اكثر.
بين "الملكي" والـ"الهنود الحمر" مسافة حلم، فمن يلج شواطئ الواقع المسكوب مجداً؟
بين الجارين ... بساط اخضر يستمتع بصراعات ثنائية تخطف الانفاس وعرق حامٍ ورغبة لا تضاهى.
استاد "النور"، اليوم هو يومك المنتظَر.
كأس دوري ابطال اوروبا، اليوم هو يومك الموعود.
قلوب شاخصة نحو مذبح تلك الكأس، وعيون مسمّرة نحو منصة لا تسع سوى لبطل أوحد.
سيتقمص اتلتيكو مدريد دور الشاعر المصري امل دنقل (1940-1983) الذي همس لطبيبه وهو على فراش الموت: "خُلق القانون ليُخترق"، رغبة منه في كسر تلك الترجيحات المنطقية التي تضع ريال مرشحاً أكيداً، مع العلم ان رجال سيميوني لا يعانون مرض نقص الثقة بتاتاً، فقد توّجوا قبل اسبوع بلقب الدوري الاسباني بعد جفاء امتد من العام 1996.
وفي رواية "عابر سرير"، كتبت الجزائرية احلام المستغانمي بلسان عاشق يتحدث الى معشوقته: "لا يعنيني ان امتلكك بالتقسيط. ارفض ان اربحك لساعات تذهبين بعدها لغيري، تلك الارباح الصغيرة لا تثيرني. انا لست بقّال الحيّ، انا عاشق يفضل ان يخسرك بتفوق. اريد معك ربحاً مدمراً كخسارة".
هكذا يناجي ريال مدريد تلك الكأس التي لطالما اقترب من وصل معها قبل ان ترفضه وتذهب الى غيره في السنوات القليلة الماضية.
لشبونة، يا عاصمة كرة القدم، انظارنا لجمت جماح توقنا اليك.
... مبروك عليك وعلى كأسك ذاك البطل الموعود.


الخميس، 22 مايو 2014

رسالة الى صديقي مشجع ريال مدريد



تحية،
اكتب اك هذه الرسالة يا صديقي وانا على بعد بضعة كيلومترات من ملعب النور في العاصمة البرتغالية لشبونة.
صودف ان تلقيت دعوة الى البرتغال لحضور مناسبة لا علاقة لها بكرة القدم وبالمباراة النهائية لمسابقة دوري ابطال اوروبا التي يخوضها فريقك الملكي بعد غد السبت امام جاره اتلتيكو مدريد.
ادرك تماما كيف تشعر فأنت لم تعش رهبة النهائي منذ زمن، وتحديدا منذ ٢٠٠٢. هو بلا شك زمن سحيق.
اذكر تماما تلك المباراة النهائية بين ريال وباير ليفركوزن والتي تابعتها شخصيا في احد مقاهي الكويت.
حزنت كثيرا لخسارة ليفركوزن بالاستناد الى ميولي الالمانية لكني اعجبت بفدائية ايكر كاسياس الذي نزل بديلا للمصاب سيزار سانشيز خلال المباراة وانقذ مرماه من وابل من الفرص المتاحة. وكيف لي ان انسى هدف الفرنسي زين الدين زيدان.
عدت معك الى تلك المباراة فقط لاذكرك بأن صعود القمة ايام زيزو لم يكن بالسهل امام ليفركوزن الذي لم يحقق في ذاك الموسم بقيادة مدربه كلاوس توبمولر اي لقب رغم تصدره الدوري الالماني حتى الاسابيع الاخيرة وبلوغه نهائي الكأس المحلية ايضا.
كان ليفركوزن قويا بوجود ميكايل بالاك والبرازيلي لوسيو ومواطنه زي روبرتو وغيرهم وقد عانى الملكي.
ليفركوزن لم يكن البتة اتلتيكو مدريد المتوج حديثا بطلا للدوري الاسباني المسابقة التي تعتبر بنظر الكثيرين الافضل في العالم وذلك على حساب فريقك وبرشلونة الطيب الذكر.
اتلتيكو لم يعد يملك اي مركب نقص امام ريال. هزمه الموسم الماضي في نهائي الكأس وها هو ينتزع الدوري المحلي. ايمانه بنفسه كبر للغاية ومدربه المحنك الارجنتيني دييغو سيميوني يصلح ليكون معدا ذهنيا اكثر مما هو في الواقع مدرب كرة قدم.
البرازيلي المتأسبن دييغو كوستا والتركي اردا توران يبدو انهما باتا جاهزين.
لا نختلف ان ثمة من يضع الفريقين على مستوى واحد لناحية الترجيحات الخاصة بالمباراة لكن المنطق يقول ان ريال مدريد هو الاقرب.
صحيح ان دوري الابطال يعتبر اللقب الاحب الى قلب ميلان الايطالي، بيد انه يبقى الاكثر ارتباطا بتاريخ فريقك. يبدو اللقب وريال مدريد اليوم اشبه بالتوأمين اللذين ولدا معا في ١٩٥٦ عندما انطلقت البطولة الام وتوج بها الملكي، وها هما على وشك ان يلتقيا السبت للمرة الاولى بعد طول انتظار.
 ريال هو نادي القرن بيد ان ثمة امورا من واجبه بين الحين والاخر ان يثبتها واولها ان لم يكن اوحدها هو التتويج بالكأس ذات الاذنين.
ريال وتلك الكأس وجهان لعملة واحدة. هذا بنظرك انت وجماهير الملكي وما اكثرهم حول العالم.
اعيش معك على اصداء دقات قلبك التي تشبه قرع طبول في حروب الزمن الغابر.
حاول ان تتأنى في طموحك، فكرة القدم لا ترحم. لن اغوص معك في التاريخ فأنت عالم به. خسارة فريقي بايرن ميونيخ الالماني امام المحظوظ مانشستر يونايتد الانكليزي عام ١٩٩٩، هزيمة تشلسي اللندني امام مانشستر يونايتد المحظوظ مجددا في نهائي ٢٠٠٨ بعد ركلة الترجيح التي اضاعها جون تيري فقط لانه انزلق بفعل الامطار التي هطلت عى ارض ملعب لوجنيكي في موسكو.
اتذكر مباراة بايرن مع تشلسي في نهائي ٢٠١٢؟ من كان المرشح ومن صنع الفرص؟ في النهاية فاز الجبان الذي لا يريد ان يلعب يا صديقي.
حتى الهولندي يوهان كرويف المعروف بعدم استثاغته الالمان قال يومها بأن ثمة فرقا تؤذي كرة القدم وان على القيمين على اللعبة حرمانها من ممارستها.
انت تطمح الى العاشرة. وانا لا اريدك ان تتوج بها كي لا تبتعد اكثر وترفع رصيدك من الالقاب فيها ويصبح من الصعوبة بمكان على فريقي ان يلحق بناديك في المدى المنظور، لكن بيني وبين نفسي اتعاطف معك ومع عشقك لناديك واحيي فيك ذاك الصبر على السنوات العجاف التي امضيتها يتيما بلا عاشرتك الغالية.
فقط تذكر اللحظات الصعبة، تحديدا الخسارة امام بوروسيا دورتموند الالماني صفر-٢ في اياب ربع النهائي والفرصة الذهبية التي اضاعها هنريخ مخيتاريان في القائم.
العاشرة كما قال احد الصحافيين المقربين من ناديك ليس فيها سر، واضاف: الرقم عشرة جذاب وليس كالرقم ٩ الذي يبدو كالمهمة التي لم تنته بعد.
في الواقع لم يعجبني رأي ذاك الصحافي لكني رأيته منطقيا لجهة ان ريال مدريد لا يحتاج اي شيء لاثبات اي شيء لكنه في الواقع يحتاج ذاك الشيء اليوم اكثر من اي شيء اخر.
العاشرة هي حل للعقدة ونهاية الجفاء مع بطولة فاخرة. العاشرة هي الوسواس والهاجس والهدف والطموح.
توقعناها لكم مع البرتغالي جوزيه مورينيو فجاء الايطالي كارلو انشيلوتي ووضع فريقكم على مشارفها لكنه لم يحققها بعد.
ويبقى للبرتغالي كريستيانو رونالدو يا صديقي ثأر لنفسه يوم السبت. لم ننس ولم ينس احد تلك الدموع الحارة التي ذرفها على ملعب النور نفسه عام ٢٠٠٤ بعد الخسارةالتاريخية امام اليونان في المباراة النهائية لبطولة الامم الاوروبية  بهدف انخيلوس خاريستياس.
كم بكى رونالدو وكم حاول مدرب المنتخب البرتغالي حينها، البرازيلي لويس فيليبي سكولاري مواساته.
كان سي ار 7 في بداياته وها هو اليوم وقد نضج يسعى الى منح ريال مدريد ما جاء في الاساس لمنحه اياه على ملعب مأساة ٢٠٠٤ ذاته.
لقد عشت شخصيا ما تعيشه انت نفسك اليوم ثلاث مرات منذ اربع سنوات اذ بلغ فريقي النهائي في ٢٠١٠ و٢٠١٢ و٢٠١٣ وكان المرشح للتتويج بيد انه اكفى رغما عنه بلقب واحد.
وها ان فريقك يستعد لدخول النهائي وهو المرشح ولكن يبقى كل شيء ممكنا.
اتلتيكو لم يخسر اوروبيا هذا الموسم كما ان الفريق المتوج باللقب منذ ٢٠١٠ كان يمر دائما بمحطة الفوز على برشلونة. ومن تغلب على برشلونة هذا الموسم؟ انهم الهنود الحمر.
صعبة المباراة وهي اشبه بمسألة حياة او موت.
الى هذه الدرجة بدا الريال وكأنه رفع التحدي.
اقترب اليوم الكبير يا صاحبي، هنا لشبونة وليس ميونيخ حيث دحرت فريقي حين لم يكن في يومه.
في الاساس سيمضي فوزه التاريخي على بايرن وكأنه لم يكن ان عجز كاسياس مساء السبت في ولوج اعلى نقطة من منصة التتويج.
السبت هو يومك وسأقف في المدرجات الحيادية لكن لا يمكنني الا ان اتعاطف معك انطلاقا من حبك الجارف لناديك وصبرك الكبير عليه.
يوم غد سأعود الى الكويت. رحلتي من مدينة فارو البرتغالية تنطلق في السادسة صباحا وتصل بي الى لشبونة حيث سأستنشق رائحة النهائي خلال فترة الساعة التي سأنتظرها في مطار العاصمة البرتغالية قبل التوجه الى فرانكفورت ومنها الى الكويت.
سيبقى قلبي هناك. في لشبونة، عاصمة كرة القدم السبت.
سأستشعر تلك الحمى. لا شك في اني سأعيش خوف مشجعي ريال وتوقهم الى اللقب وسأعيش كذلك لهفة جماهير اتلتيكو مدريد الى اجتراح المعجزة.
هذه هي كرة القدم، تحملنا الى حيث لا شيء يأخذنا. بحلوها ومرها نعشقها. بقساوتها وعدلها نحبها.

لك مني احر التمنيات يا صاحبي، والبقاء لكرة القدم.

صديقك سهيل

الخميس ٢٢ مايو ٢٠١٤

الجمعة، 16 مايو 2014

رسالة من بافاري مكسور ... إلى عشّاق الزمن الجميل (بعد نهائي الابطال 2012)

 منشور في جريدة "الراي" الكويتية
21 مايو/ايار 2012







 يرسلها: سهيل الحويك
 
تحية،
أكتب لكم يا عشاق ذاك «الزمن الجميل» صبيحة يوم مليء بأحاسيس مشوّشة ما بين الاستسلام ورفض الواقع.
نعم، توّج تشلسي الإنكليزي بطلاً لأوروبا. لم يكن بايرن ميونيخ الالماني ولا حتى برشلونة الاسباني أو مواطنه ريال مدريد من ابتسم أخيراً.
هي كرة القدم. تعشقها كما هي أو تقطع صلتك بها نهائياً. مزاجها يتحكم بمصيرها. قد تعطيك مجداً لقرن كامل، ثم تأخذ منك كل شيء في ظرف جزء من ثانية عابرة.
هي رياضة جماعية يتمثل الهدف فيها بهزّ الشباك منذ ابتدعها الإنكليز قبل زمن، بيد أن ثمة من يريد تحطيم المعايير واعتبار الدفاع عن المرمى والتكتل وابعاد الكرة كيفما كان خير وسائل للانتصار. لو كانت كرة القدم قادرة على التكلم، للفظت كل من ابتدع نهج «الجبن» في مقاربة اللعبة.
عندما انتزعت الدنمارك لقب بطلة كأس الأمم الأوروبية العام 1992 في السويد بفوزها في النهائي على المانيا 2-صفر، صدح التاريخ بكلمة «المعجزة» لوصف تتويج الـ «فايكينغز»، بيد انه ما شكك بتاتاً بأحقية الحارس العملاق بيتر شمايكل وزملائه في اعتلاء أعلى نقطة من منصة التتويج كونهم هاجموا وسجلوا. آمنوا بأنفسهم ضيوف شرف على بطولة جرت دعوتهم لخوض غمارها عوضاً عن يوغوسلافيا المبعدة لأسباب سياسية.
وفي 2004، صبغت الدنيا تتويج اليونان بالبطولة القارية نفسها بعبارة «المفاجأة» وشبّهتها بانجاز الدنمارك، الأمر الذي شكّل ظلماً بحق الأخيرة.
اليونان، بقيادة المدرب الالماني «الملك» أوتو ريهاغل لم تلعب كرة قدم. لدغت الفرق من خلال أجزاء من فرص ودافعت حتى الموت، فمات الجميع واستمرت هي حيّة على منابر المجد.
يا عشاق برشلونة... يا عشاق «الزمن الجميل»،
كلماتي لن تكفي للتعبير عن مدى أسفي اليوم على خسارة كارليس بويول ورفاقه في نصف نهائي دوري الابطال هذا الموسم امام تشلسي.
الارجنتيني ليونيل ميسي سدد في القائم وكذلك فعل الهولندي اريين روبن في نهائي السبت.
ميسي أضاع ركلة جزاء مفصلية، وكذلك فعل روبن.
وفي النهاية، انتصرت «الهجمة المرتدة» عليكم، ونجحت «عملية سطو» من ركلة ركنية كانت الاولى للـ «بلوز» في دك حصون البايرن.
أعتذر منك يا «ليو»، يا قادماً من ذاك «الزمن الجميل»... على كل ما فات.
أشعر بالمرارة نفسها التي قاساها جمهور الـ «بلاوغرانا» بعد السقوط غير المستحق امام «متمردي لندن». ألهذا الحد وصل الأسى فيكم... انتم من يستحق كل احترام؟
طريقان في الحياة يتوجب على الانسان الاختيار بينهما، الشجاعة او الخنوع. اخترتم أنتم المبادرة والسعي والتقدم الدائم، وكذلك فعل البافاريون، بيد ان اخلاصكم واخلاصهم لذاك «الزمن الجميل» لم يكونا كفيلين بمكافأتكما.
يا عشاق البايرن،
لكل من عايش السقوط في نهائي دوري ابطال أوروبا (كأس الاندية الأوروبية الابطال سابقاً) العام 1982 امام استون فيلا الانكليزي او امام بورتو البرتغالي في 1987، مانشستر يونايتد الانكليزي العام 1999، انترميلان الايطالي في 2010 او امام تشلسي الانكليزي السبت الماضي، ما عساي اقول؟
في 82، سقط البافاري بهدف في واحدة من المفاجآت الراسخة في تاريخ اللعبة. في 87، تقدم البايرن «المرشح بامتياز» بهدف على بورتو قبل ان يستسلم للجزائري رباح ماجر والبرازيلي خواري في الدقائق الاخيرة من اللقاء. في 99، تقدم «دي روتن» (اي الحمر) بهدف ماريو باسلر حتى الدقيقتين الاخيرتين اللتين شهدتا انقلاباً في معايير احقاق الحق فانتزع «الشياطين الحمر» ما كان بعيداً جداً عن متناولهم. في 2010، سيطر البايرن على 67 في المئة من مجريات لقائه وانتر فتوج الأخير. وفي 2012 استُكملت سلسلة يبدو انها لا تنتهي... لن تنتهي.
كثيرون فضلوا متابعة مباراة الصربي نوفاك ديوكوفيتش والسويسري روجيه فيدرر في دورة روما الدولية للتنس على متابعة نهائي «اليانز ارينا»، معتبرين ان المسألة محسومة للبايرن الاقوى والذي كان من المقدر ان يستغل الفرصة الذهبية على أرضه.
عندما علم هؤلاء بأن تشلسي هو من توّج، ما صدّقوا.
كثيرون استسلموا للنوم بعد هدف توماس مولر خصوصا انه جاء في توقيت قاتل. الدقيقة 83. اعتبر هؤلاء ان البافاري يستحق وان الأمور حُسمت بالطريقة المثلى. صبيحة اليوم التالي، ما صدقوا ما حدث. لم يتقبلوا فكرة ان العاجي ديدييه دروغبا صحا من النوم فقط ليعادل الأرقام.
كثيرون رأوا بأنه لا فائدة من متابعة تسديدة روبن من علامة الجزاء. فهو المتخصص الذي سيضع فريقه في المقدمة مجدداً. لم يكترثوا بالركلة، واذ بهم يضربون كفاً بكف ضياع الفرصة التاريخية للتقدم في مباراة من هذا النوع.
وعندما حان الوقت لتنفيذ ركلات الترجيح، غض الكثيرون الطرف عن متابعتها معتبرين بأنها «اختصاص الماني» بامتياز منذ فوز الـ «ناسيونال مانشافت» من خلالها على فرنسا في نصف نهائي مونديال 1982.
مانويل نوير ينقذ مرماه من تسديدة الاسباني خوان ماتا، يعود الحارس العملاق ليسجل «ترجيحية» رسمت في سماء ميونيخ حقيقة ان «حتى حارسنا لا يخطئ في ركلات الترجيح». الكرواتي ايفيكا اوليتش الذي خاض آخر مباراة له مع بايرن قبل الرحيل، أضاع ركلته مع العلم انه ما كان مقدّراً له ان يسددها، فهو شارك في المباراة فقط بعد اصابة الفرنسي فرانك ريبيري واضطراره للخروج من الملعب.
ريبيري بالذات فوّت المشاركة في نهائي 2010، وها هو يفشل في اكمال نهائي 2012. ليست مكتوبة لك يا «بلال».
بات بايرن مفتاح مجد للآخرين بعد ان كان صاحب الامجاد. على حساب بايرن، حقق استون فيلا لقبه اليتيم في 1982. على حساب بايرن، انتزع بورتو اللقب للمرة الاولى في تاريخه عام 1987. على أنقاض بايرن، حقق مانشستر يونايتد لقبه الثاني بعد 31 عاما مضنياً من الانتظار. على انقاض بايرن أيضا، احتضن انترميلان لقباً أوروبياً عزّ عليه طيلة 45 سنة. وعلى حساب البايرن أيضاً وأيضاً، خاط تشلسي أول نجمة أوروبية على قميصه.
نسي الألمان بأنهم ملوك اللحظات الحاسمة وأباطرة اللعب حتى الدقيقة الأخيرة. بات من اشتهر بأعصابه «الحديد» يضيع الركلات الترجيحية جملةً ومفرقاً.
يا عشاق «الزمن الجميل»،
زمن «البرازيل 70 و82 و86»، زمن هولندا واياكس امستردام وبايرن ميونيخ السبيعينات، زمن ميلان نهاية الثمانينيات، ما زال بامكانكم التفاؤل، برشلونة هنا وسيعود، بايرن باقٍ ولا يموت الا وقوفاً، يوفنتوس الايطالي «الديناميكي» بقيادة انتونيو كونتي حاضر، البرتغالي كريستيانو رونالدو موجود، ارسنال الانكليزي سيحاول مجدداً، كتيبة بوروسبا دورتموند الالماني متحفزة.
ويا رومان ابراموفيتش،
يا قادماً من بلاد البرد القارس بمليارات لا تُحصى، افرح، رهانك على شراء المجد أصاب، فهنيئاً لك.
جاءتك الى باب منزلك بعد ان لهثت خلفها طويلاً... تلك الكأس «الحبلى» بالمجد.
يا روبرتو دي ماتيو، يا ايطالياً مجنوناً اكتسب هدوءه ربما من مكان ولادته سويسرا، هنيئاً لك لأنك عرفت من أين تؤكل الكتف.
هنيئاً لك لأنك دحرت أجمل فريقين في أوروبا، برشلونة وبايرن، قبل ولوج النقطة الاعلى من «القارة العجوز».
في النهاية، لن يتذكر التاريخ كيف صنعت المجد، لن يذكر ركلتي جزاء ميسي وروبن، ولا هدف موللر «شبه القاتل».
يا تاريخ،
سجّل بأن تشلسي هو بطل أوروبا 2012 ولا تدخل في التفاصيل، لأن فيها الكثير من الجروح لكل من عشق الكرة ولكل من اشتاق الى ذاك «الزمن الجميل».

مسكين




رايح جاي ... مشغول شايفك بالدني تخمين
تسابق العمر ناسي ع شمالك مين وعاليمين
طاحش متل مغروم بعيد حبيبتو حامل خاتم تمين
تشتغل لتاكل تنام لتقوم ... لشو كل هالتعب قلي لمين؟

بتخلق بيتحوكموا حولك يتفرجوا الاحباب
من عيلتك والجيري ويتجمهروا الاصحاب
شي يكاغيلك شي ناطر دورو على الباب
هني يضحكوا ... وانت ابتدا درب العذاب

بالمدرسي مدير واستاذ ودرس وامتحانات
سهر وتعب وابحاث وتحليل وعلامات
مسجون بيحشوا راسك بالغصب معلومات
تتوصل مستوي جاهز لمرحلة الجامعات

دكتور يحاضر والتاني فاكر حالو فهمان
وانت مهموم بمستقبلك زهقت تعبان
لا قادر تغير الواقع وعا حظك شو عتبان 
بتخلص حرب الجامعة وبتنطلق عالدني هلكان

وظايف بالبلد ممنوع تسأل عن الاعمال  
ولو بإيدك شهادة وسمعة وكمشة امال
بتحس حالك ماشي وبمشيتك احمال
بتضب شنطة سفر وتروح تفتش عالدهب والمال

راح العمر بالغربة وصار وقت نرجع ع لبنان
كلها كم سني منعيشها وبتدق ساعة الزمان
بترجع ... معقول ... لكن بعد ما فات الاوان
متل بقّال بدو يسترزق .... ومسكّر الدكان

بتموت بعد كم سني وبتسلّم الروح
وحجار بيتك بلبنان بتلملم جروح
لا تقبل ولا تركع وضل قول مش مسموح:
اجي عالدني مسكين ... واكتر من مسكين منها ما فيّي روح 
  

سهيل

خصال شعرك






أبحثُ عن نفسي بين خصال شعركِ المستورةِ تحتَ حجابٍ يُغري الناظر أكثر مما يقيهِ شرَّ جمالك...
أبحثُ عن ذاتي على سفحِ خدِّكِ المتلألئِ نعومةً والمنقوشِ في إحدى زواياهُ فمٌ أعشقُ رحيقه...أعشقهُ
أبحث عن كينونتي في أثيرِ صوتكِ الضائعِ بين خبايا الزمن الغادرِ الذي فرقنا وخبايا الزمن الوفي الذي قد يجمعنا قريباً...
أبحث عن رائحتك على مساحةِ وِسادتي الهشة على فراقِ أملٍ بلقياكِ ... فوق سريرٍ يئنُّ تحتَ وطأةِ البعد الغبي...
أبحث عن جسدك بين أصابعي الموعودةِ بلمسة، بسفرةٍ مجنونةٍ في سهولك التي صنعت مني ريحاً حالماً بين ثمارها...
أبحث عن شفتيك في كلِّ بئرٍ من آبار جسدي الجافِ...
أبحث عنك في قلبي، فيرد عليّ سائلاً عنك...
تُرى هل أنا مجنون؟ هل أنَّ قلبي مجنون؟
ربما أنتِ المجنونة التي استدرجتني وقلبي إلى عالم الجنون...
ومن يدري؟
قلبي وأنا رهنُ إشارتك، رهنُ المصيرِ الذي ترينه لنا، نرضى به وإن كانَ مصيراً مجنوناً، نرضى به حتى الجنون...

سهيل

الثلاثاء، 13 مايو 2014

الطريق إلى هامبورغ (مقالة من عام 2003)



الطريق إلى هامبورغ
... بدأت بحلم ربيعي وانتهت بكابوس شتوي


كتب: سهيل الحويك
منذ أن وصلتني الدعوة إلى ألمانيا لحضور إطلاق إحدى السيارات الرياضية قبل شهرين (2003)، شعرت برعشة غريبة.
كيف لا والرحلة ستحملني إلى ألمانيا خلال الفترة من التاسع وحتى الثاني عشر من تشرين الاول/أكتوبر، وبالتالي ستمثل فرصة ذهبية ونادرة لي لحضور مباراة الـ"ناسيونال مانشافت" (المنتخب الوطني باللغة الألمانية) مع أيسلندا على الطبيعة في الحادي عشر منه في مدينة هامبورغ الشمالية ضمن الجولة الأخيرة والحاسمة من تصفيات المجموعة العاشرة المؤهلة إلى نهائيات بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم المقررة في البرتغال العام المقبل.
حقيقةً، لم تعد تهمني تغطية إطلاق السيارة بقدر اهتمامي بالاستعداد لحضور المباراة والوقوف ربما على مرمى حجر من ميكايل بالاك واوليفر كانّ وفريدي بوبيتش ورودي فولر.
ومنذ الوصول إلى مطار هانوفر المتواضع مروراً بمطار فرانكفورت المتباهي، شعرت بخفة وزني وبابتسامة ما انفكت تفارقني، ليس بسبب الزيارة إلى ألمانيا التي اعتدت عليها، بل نتيجة اقتراب موعد المباراة أو فلنقل موعد اللقاء مع استاد هامبورغ.
وفي الطريق من مطار هانوفر إلى مدينة فولفسبورغ حيث الفندق الذي كان من المقرر أن أنزل فيه، بدأت اشعر باقترابي من شتيفان ايفنبرغ، لاعب نادي فولفسبورغ السابق والمنتقل قبل اشهر إلى النادي العربي القطري.
هذا ما أحسست به رغم رحيل ايفنبرغ، ربما لكونه مرّ في المدينة التي ارتبطتُ معها بعلاقة ود سريعة رغم كونها تبعد عن مسقط رأسي مسافة زمن ورحلة قوامها آلاف الكيلومترات.
استاد فولكس فاغن في مدينة فولفسبورغ يقع على بُعد 200 متر من غرفتي في الفندق، يا لمحاسن الصدف.
فريق فولفسبورغ ألحق الهزيمة الأولى ببايرن ميونيخ بطل ألمانيا وحامل كأسها في الموسم الماضي ضمن بطولة الدوري الحالي وذلك على الملعب الذي يقع على بُعد 10 دقائق من سريري.
صراحةً، كنت سعيداً للغاية رغم أن الاستاد، بزجاجه الأخضر الرائع، لم يرتعش لهمساتي، لم يؤمن بعشقي له وللمستديرة التي ما كان هو لو لم تكن هي...

انتهى اليوم الأول من الرحلة، فالثاني...
غداً موعد المباراة الكبرى ... ألمانيا يكفيها التعادل لبلوغ النهائيات الأوروبية التي حملت كأسها ثلاث مرات (رقم قياسي) أعوام 1972 في عصر فرانتس بكنباور و1980 أيام كارل هاينتس رومينيغه و1996 في عهد يورغن كلينسمان.
غداً موعد لقائي مع استاد نادي هامبورغ العريق...
نادي هامبورغ الذي خرّج هيرست روبيش، صاحب الهدف "الأرخص" في تاريخ كؤوس العالم والذي أحرزه في مرمى النمسا في مونديال 1982 في مباراة سلبية أخلاقياً كان الهدف منها وضع الجزائر وماجر والبللومي خارج الدور الأول من البطولة، هامبورغ الذي خرّج فيليكس ماغاث، مدرب شتوتغارت متصدر الدوري الألماني حالياً، هامبورغ الذي صنع مانفرد كالتس واستعان في فترة من الفترات بالقزم الإنكليزي كيفن كيغان مدرب مانشستر سيتي الحالي.
مع كل هذه الذكريات، ضربت موعداً في 11 تشرين الاول/أكتوبر 2003.
الأحاسيس سيطرت على الواقع، وعشية المباراة المنتظرة، توجهت إلى صالة الاستقبال في الفندق أسأل عن كيفية التوجه إلى هامبورغ...
بادرتُ موظفة الاستقبال بابتسامة واثقة، وسؤال ممزوج بكلمات ألمانية ثقيلة وأخرى إنكليزية انتشلتني من مأزق:"أود التوجه إلى هامبورغ غداً لحضور مباراة ألمانيا وأيسلندا. ماذا تقترحين علي؟".
أجابت بسؤال كاد أن يبكيني:" مباراة ماذا؟"...
أردت صفعها أو على الأقل نهرها، كيف لها الحق في أن تكون ألمانية ولا تدرك أهمية المباراة التي قضيتُ شهرين أحلم بها، شهرين أتقلب في سريري بسببها؟
"ألا تعلمين أن ألمانيا ستخوض غداً مباراة حاسمة؟"، أجابت:" للأسف مستر، لا أحب كرة القدم".
قلت لها بالعربية مدركاً أنها لن تفهم شيئاً:" لن تتابعي المباراة وتدّعين أنك ألمانية؟".
أخذَت كتاباً انزلق من يديها الناشفتين مرتين وأخذت تقلب صفحاته قبل أن تقول:" نوصلك نحن من الفندق إلى هامبورغ الواقعة على بعد 200 كلم من هنا ونعيدك إلى فولفسبورغ مقابل 400 يورو".
كالصاعقة نزل علي الخبر، وعملية حسابية بسيطة كشفت لي أن كل كلم سيكلفني يورو واحداً.
المباراة تستحق إنما المقابل المادي مرتفع أكثر من درجة حرارة جسمي الذي ازرقّ من جراء كلفة الطريق.
قلت لها:" أذهب بالقطار"، ردت:" الذهاب أوكي أما العودة فغير مضمونة"...
فجأةً، ابتعدت هامبورغ عن متناولي، أصبحت بعيدة بعد السماء عن الأرض. احتبست الدمعة، الغصة، حتى كلمة شكر استكثرتها بتلك الفتاة التي لم يجذبني فيها حتى كونها أنثى.
خسرتُ المباراة الحلم، توجهت إلى الغرفة، كدت أبكي لولا رنين الهاتف الذي شق هدوء المكان.
"آلو"، قلتها من دون نفس...
"مستر حويك"...
أجبت:"يس"...
إنها المضيفة نفسها، تلك التي قتلت حلمي وبثت التعاسة فيّ، قلت:" وَت دو يو ونت؟"
ردت:"نسيت جهازك النقال عندنا".
نزلت إلى بهو الفندق، استقبلتني بابتسامة روتينية تشبه تمثيلية أطفال صغار، ابتسامة تقبض ثمنها في اليوم الأخير من كل شهر.
أخذت النقال، ثم سألتها ومرارة الخيبة تسيطر علي:" ألا يوجد هنا أي شخص قادر على مساعدتي لحضور المباراة؟".
ربما شعرت بالشفقة علي، فسألتني: "ألهذه الدرجة تحب كرة القدم؟".
ولأنتقم منها، قلت:" أعشقها أكثر مما أعشق المرأة".
نادت على شخص، وطلبت منه مساعدتي.
بدا عليه الاهتمام بي وبالمباراة بشكل خاص، ابتسمتُ وفرحتُ به ولأجله.
سألني متهكِّماً بعد أن سردت عليه قصتي:" تذكرة المباراة معك؟"، أجبت:" لا، سأشتريها عند باب الدخول".
ضحك ربما علي وقال:" أتعلم أن التذاكر نفدت منذ أكثر من تسعة أشهر؟".
وقع كلامه علي كالصاعقة أيضاً، سامحت المضيفة وحظي وقدري، وغفرت لنفسي.
شعرت بالراحة بعد حين، شعرت كمن قام بما طُلب منه وفشل فشُكِر على المحاولة.
ابتسمت وصعدت إلى الغرفة وغفوت على مرأى من استاد فولفسبورغ نفسه.
في اليوم التالي، وبعد أن فقدت الأمل في رحلة هامبورغ الحبيبة، قررت حضور المواجهة في إحدى الحانات حيث تُعرض المباريات عادةً على شاشة عملاقة.
حل لذيذ بعد المرارة التي أذاقتني إياها الرحلة الحلم إلى هامبورغ.
وصلتُ إلى تلك الحانة التي اكتظت بالحضور.
صراخ، زحمة خانقة، رائحة الكحول تعصف بالمكان، كلمات بالألمانية لم افهم سوى نصفها، هذا فقد الوعي من شدة الشرب، وذاك التصقت بشاربيه الطويلين ذكرى كوب من الجعة، وتلك شبه عارية مرتمية في حضن ذاك.
مشهد بعيد عن الرياضة، نَعم، ونِعم الرياضة.
ضقت ذرعاً بتلك الدردشات بين هذا وذاك، "يا أخي أريد التركيز على المباراة" قلتها في نفسي.
وانطلقت المباراة، استاد هامبورغ لا مقعداً شاغراً فيه، شعرت بالسعادة لكوني جزءاً مما يدور هناك في الملعب.
بالاك يسجل الهدف الأول إثر تمريرة بالكعب من بوبيتش، ألمانيا تتقدم بهدف.
من حيث كنت جالساً، إختفت الشاشة، إحتفال مجنون في الحانة، شظايا المشروبات الكحولية تتطاير هنا وهناك، شعرت بسعادة، بمعمودية كحولية ألمانية، شعرت بأنني جزء من الحدث.
الشوط الأول ينتهي 1/صفر لألمانيا، التنفس بات صعباً في الحانة، البرد الذي يحمله كل داخل علينا من الخارج قضّ مضجعي.
 رائحة العرق تفوح من ذاك الشاب الذي يرقص على مسافة متر مني والقنينة في يده والسيجارة في أخرى.
الجو غير صحي، علي العودة إلى الفندق فوراً لأتابع الشوط الثاني عبر شاشة التلفزيون. على الأقل، سأتمكن من التركيز. فأنا في ألمانيا والمباراة في ألمانيا، وبالتالي أنا جزء من الحدث مهما اختلف موقعي، سواء برضاي أو بغيره.
قفلت عائداً إلى الفندق الذي أغواني الدفء فيه بعد أن اشتدت البرودة في الخارج، استلقيتُ على السرير الناعم، وتابعتُ الشوط الثاني، هدفان لألمانيا من توقيع بوبيتش وكورانيي، الجماهير تعصف بالاستاد مرددة "رودي ... رودي"، تبايع المدرب بعد أن هاجمته إثر المباراة السلبية مع ليتوانيا ضمن التصفيات نفسها.
ألمانيا تتأهل مباشرة إلى النهائيات واسكتلندا تنتظر الملحق.
امتدت السهرة حتى الساعات الأولى من الفجر حيث حرصت على متابعة عرض التلفزيون الألماني للقطات متفرقة من المباريات الأخرى ضمن التصفيات نفسها.  
غفوت، وفي اليوم التالي، حان موعد العودة إلى الكويت، الطريق من فولفسبورغ إلى مطار هانوفر يحتاج إلى حوالي الساعة.
وقت كاف لمتابعة ما تبقى من سباق جائزة اليابان الكبرى، الجولة الأخيرة من بطولة العالم لسباقات فورمولا واحد، عبر جهاز الراديو.
طلبت من السائق التابع للشركة التي دعتني إلى ألمانيا أن يترجم لي ما يقوله المذيع بين الفينة والأخرى.
السباق كان ممتعاً، وفي النهاية أحرز البرازيلي روبنز باريتشيللو المركز الأول وزميله في الفريق، الألماني ميكايل شوماخر المركز الثامن، فحصل الأخير على نقطة واحدة منحته اللقب العالمي للمرة السادسة (رقم قياسي) في تاريخه.
طبعاً، ألمانيا في قمة سعادتها، كيف لا والمنتخب تأهل إلى "يورو 2004" وشوماخر تُوِّج بطلاً للعالم...
سألني السائق:"أتتابع الرياضة؟" أجبت: "طبعاً".
قال:" حضرت بالتأكيد مباراة الأمس".
"نعم بالتأكيد حتى أنني حاولت الذهاب إلى هامبورغ لكن أموراً كثيرة اعترضتني".
قال:" نظمت البلدية هنا في فولفسبورغ للمشجعين رحلة إلى هامبورغ لحضور المباراة بمبلغ زهيد. كنت أود الذهاب إلا أن دوام العمل منعني".
وصلت المطار مكسور الجناح، مقتولاً، كدت أن أبكي.
الفرصة كانت في متناول يدي وأضعتها.
رافقتني ذيول الحادثة طيلة الطريق إلى الكويت، وعندما أطلعت صديقي على ما حدث، قال بكل سذاجة:" خيرها بغيرها".
ذكرى جدار استاد فولفسبورغ الزجاجي ما زال يلمع في مخيلتي، رائحة الكحول الممتزجة عرقاً في تلك الحانة ما انفكت تخنقني، هدف بالاك في مرمى أيسلندا ما برح يشد إعجابي، صوت ذاك السائق الغبي مترجماً لي تفاصيل سباق اليابان ما زال يسيطر على مسمعي، أسفي على ضياع فرصة الذهاب إلى هامبورغ تعادل خيبة بايرن ميونيخ الألماني إثر خسارته كأس دوري أبطال أوروبا أمام مانشستر يونايتد الإنكليزي العام 1999.

أردت أن أكون جزءاً من الحدث، حاولت أن أكون ذاك الجزء الذي تخيلته منذ وصول الدعوة إلى ألمانيا.
قد أكون نجحت أو وفقت رغم أنني مقتنع بإخفاقي.
سلامي إلى هامبورغ، إلى روبيش ورأسه الذهبية ... ربما كان صديقي على حق عندما قال:"خيرها بغيرها".