الاخبار

الاثنين، 12 مايو 2014

عودة محبطة لـ"الإبن الضال"

 منشور في جريدة "النهار اللبنانية"
12 ايار/مايو 2014






كتب: سهيل الحويك

كان من البديهي ان يشعر الاسباني فرانشيسك فابريغاس و"كأنه في المنزل" بعيد العودة المشهودة الى ناديه الأم برشلونة قادماً من فريق ارسنال الانكليزي لكرة القدم بعد ثمانية اعوام امضاها في صفوفه، بيد أنه فشل فشلاً ذريعاً في فرض نفسه والارتقاء بمستواه الى حيث كانت جماهير "نو كامب" ترتجي، حتى بدأ ناقوس المطالبة برحيله يدقّ بقوة بين صفوف شريحة كبيرة منها.

بُعيد تعيينه مدرباً لبرشلونة في تموز 2013، قام الارجنتيني خيراردو مارتينو باستدعاء "سيسك" خلال التدريبات قبل ان يهمس في اذنه قائلاً بثقة: "اريد منك ان تعود اللاعب الذي كنته في ارسنال".
شعر فابريغاس بالحماسة بعد سماع كلمات "تاتا" المقتضبة، وهو من كشف فحواها لوسائل الاعلام، وقال حينذاك: "شعرت بالنشوة. لطالما احسست بالراحة والسعادة في ارسنال. كان كلام المدرب مهماً بالنسبة الي".
اراد "سيسك" تسجيل بداية جديدة بعد موسمين في برشلونة لم يصل خلالهما الى ملامسة الآمال المعقودة عليه اثر عودته صيف 2011 الى النادي الذي شهد انطلاقته الاولى، وهو استنتج من كلام "تاتا" رغبة لدى الأخير في منحه الفرصة الكاملة لاستعادة "التألق القديم".
بعد فشله في اقناع المدربين السابقين للفريق الكاتالوني، خوسيب غوارديولا والراحل تيتو فيلانوفا، باستحقاقه مقعداً اساسياً في التشكيلة، شعر اللاعب المرتبط بعلاقة عاطفية مع الحسناء اللبنانية دانييلا سمعان، بأن زمنه حان كي يلعب الادوار الاولى، لكنه كان مخطئاً.
ففي 20 نيسان الماضي، وبعد تسعة اشهر فقط من "همسات مارتينو"، وجد نفسه عرضة لصافرات استهجان جماهير "نو كامب" خلال مباراة شهدت فوز برشلونة على اتلتيك بلباو 2-1.
كان الجمهور على حق، فقد نفد صبره من لاعب عجز عن استعادة صور بهية كان عليها مع الـ"غانرز". بات فرانشيسك متيقناً اكثر من اي وقت مضى من أن "العودة الحلم" الى برشلونة تحوّلت اليوم كابوساً.
بدأ موسم 2013-2014 ايجابياً اذ كان لـ"سيسك" دور في ست من اصل اول 11 اصابة احرزها الفريق، وذلك بفضل منحه وقتاً اطول للمشاركة، حتى ان زميله الكابتن تشافي هرنانديز رأى فيه ما يمثل مستقبل برشلونة، فقال: "انه من نوعية مختلفة للاعبي خط الوسط التقليديين في النادي. يتأقلم بسرعة وهو قادر على التسجيل، كما انه يفيد المجموعة كثيراً. عنصر غير تقليدي ومرن اذ انه قادر على اللعب في وسط الملعب او كمهاجم".
بقيت الشكوك قائمة في شأن قدرته على التمسك بمستواه الرفيع. فقد عرف في بداية الموسمين السابقين انطلاقة مشجعة قبل ان يتقهقر بعدها شكل مثير للدهشة.
لم يكن الوضع جديداً. سئم غوارديولا ثم فيلانوفا مطالبة فابريغاس الدائمة بأن يصبح نقطة ارتكاز في خط الهجوم. صحيح انهما لمسا دوماً تعطشاً منه لتحمل المسؤولية، بيد انهما اصطدما بمحدودية مردوده.
هنا بدأ فابريغاس يستشف واقع الحال: "جئت الى برشلونة من فريق كنت احمل فيه شارة الكابتن وحيث كانت كل الكرات تمر بي. كنت العب حيث ارى انني سأسبب المتاعب للخصوم الى ان شرح لي بيب وتيتو أن مشكلتي تكمن في تلك النقطة بالذات. كانا على حق لأن هناك من يلعب امامي: تشافي و(اندريس) انييستا و(الارجنتيني ليونيل) ميسي".
وبعد اربعة اشهر على انطلاق موسم 2013-2014، سعى "سيسك" الى العطاء بأكبر قدر ممكن لكنه في كل مرة ينوي، كان يعود ويخسر الرهان، وفشل في صناعة او تسجيل الاصابات لفترة طويلة.
جيرار بيكيه، زميله في برشلونة، رفض القاء اللوم في ما يعانيه الفريق على لاعب واحد، لكن الحقيقة الساطعة تشير الى انه عندما احتاج الكاتالونيون الى فابريغاس لتعويض غياب ميسي والبرازيلي نيمار دا سيلفا او حتى لتخفيف الضغوط عنهما، فإنهم لم يجدوه. خسر المعركة مجدداً.
يدرك مارتينو ان "سيسك" يمتلك العقلية التي تمكنه من تجاوز سخط الجماهير: "يريد ان يلعب دائماً. يطلب الكرة على الدوام. لا يتهرب من المسؤولية ولا يخشى المخاطرة او حتى الوقوع في الخطأ. إن كان عليّ ان اطلق عليه صفة محددة، فسأقول إنه شجاع".
وفي موسم سيئ للغاية بالنسبة الى برشلونة، يبدو "تاتا" على وشك الرحيل بعد فشله في تحقيق اي لقب للنادي باستثناء "السوبر كأس" المحلية مطلع الموسم على حساب اتلتيكو مدريد، بيد ان هذه الجائزة لا تسمن ولا تشبع من جوع.
هذا الواقع قد يفيد بأن أيام فابريغاس أيضاً باتت معدودة في "نو كامب" اذ لا يبدو أن اي مدرب آخر سيجد في فابريغاس ذاك العنصر المهم الذي رآه فيه تاتا، فضلاً عن ان الفريق يحتاج الى الاموال لإعادة رصّ صفوفه استعداداً للموسم المقبل، وهو لن يجد اي حرج في قبول عرض يقال إن مانشستر يونايتد الانكليزي يستعد لتقديمه وقد يصل الى حوالى 35 مليون أورو.
سيدخل "سيسك" وبرشلونة في مفاوضات خلال الصيف المقبل وعلى الطاولة عقد اللاعب الذي ما زال يشتمل على موسمين آخرين، مع الاخذ في الاعتبار عدد من العروض المقدمة من غير ناد، بينها ارسنال.
في العام الماضي، عندما حاول "الشياطين الحمر" جسّ نبض فابريغاس، توجه اللاعب للقاء نائب رئيس النادي الكاتالوني حينذاك خوسيب ماريا بورتوميو الذي بات الرئيس الفعلي اليوم عقب استقالة ساندرو روسيل.
وقيل ايضاً لفرانشيسك الفائز مع منتخب اسبانيا ببطولتين اوروبيتين (2008 و2012) وكأس العالم 2010: "لن ترحل الى اي مكان". ... لكن الوضع تغيّر بالتأكيد اليوم.
فابريغاس في كل مكان كما انه غائب تماماً عن الصورة. إنه ضحية براعته. قصة ما كان يجب ان تشهد في احد فصولها "عودة الابن الضال".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق