كتب: سهيل الحويك
حاولت سيدة فرنسية قبل سنوات وضع حد لحياتها من خلال القاء نفسها من اعلى برج ايفل في العاصمة باريس.
هذا ما مثّله بالنسبة الى كاتب هذه السطور وصول الاسباني جوسيب غوارديولا لتولي سدة رئاسة الجهاز الفني في نادي بايرن ميونيخ بطل المانيا وكأسها ودوري ابطال اوروبا لكرة القدم حينذاك ... في مطلع الموسم المنتهي.
صحيح ان "بيب" وافق على خلافة يوب هاينكيس في بايرن قبل حصول النادي على الثلاثية التاريخية، بيد ان ذلك لم يخفف عن كاهله وزر المسؤولية الكبرى التي انتظرته وخصوصاً أنه امتلك من اللاعبين ما لذّ وطاب من نجوم ومواهب.
كان النجاح مفروضاً عليه حتى قبل ان يسترجع انفاس بناء الفريق.
كان عليه على الاقل ان ينسخ انجازات سلفه، فاحتفظ الفريق البافاري بقيادته بلقبي الدوري والكأس المحليين واضاف اليهما كأس السوبر الأوروبية وكأس العالم للنوادي، فيما سقط على جبهتي كأس السوبر الالمانية مطلع الموسم وخصوصاً دوري ابطال أوروبا حين تعرض لخسارة مخجلة على ارضه امام ريال مدريد الاسباني 0-4 في اياب الدور نصف النهائي بعدما تخلّف ذهاباً في "سانتياغو برنابيه" 0-1.
فهل نجح غوارديولا في موسمه الاول مع بايرن ميونيخ أم فشل؟
في 24 حزيران/يونيو 2013، جرى تقديم "بيب" رسمياً الى وسائل الاعلام مدرباً لـ"اف سي هوليوود" كما يُطلق على النادي البافاري. قال يومذاك متحدثاً باللغة الالمانية التي حرص على دراستها في فترة قياسية: "اخترت هذا الفريق بسبب لاعبيه وتاريخه المشرف"، واضاف: "اني متوتر بعض الشيء. لكنه بايرن. فاز بكل الالقاب في الموسم الماضي. اعتبر ان التوقعات العالية امر عادي".
كانت الطموحات كبيرة للغاية، فقد بدا بايرن في المباريات الاستعدادية كفريق لا يُهزم الى ان تلقى صفعة موجعة امام بوروسيا دورتموند 2-4 في الاستحقاق الرسمي الاول وتمثل في كأس السوبر المحلية، فسارع "بيب" الى القول: "اني مدرب شاب ولا يزال امامي الكثير لتعلمه. لذلك جئت الى هنا".
كانت ضربة مؤلمة، بيد ان "الفيلسوف" لم يرمِ المنديل، بل عمل على استكمال فرض الاسلوب الذي حمله معه من برشلونة الاسباني حيث حقق 14 لقباً في غضون 4 مواسم، على التشكيلة البافارية.
كان التحدي كبيراً، اذ كيف يمكن نقل الـ"تيكي تاكا" القائمة على الاستحواذ والتمريرات القصيرة السريعة الى فريق بروحية المانية وتكتيك مختلف تماماً؟
نجح "بيب" الى حد ما في مسعاه، وعلى رغم الهزيمة المؤلمة امام ريال مدريد، اكد انه لن يتنازل قيد أنملة عن قناعاته التكتيكية متجاهلاً دعوات وانتقادات "القيصر" فرانتس بكنباور بالتحديد.
لا خلاف على ان نبوغه الفني ظهر جليّاً في نهائي كأس المانيا عندما استلهم دور الـ"ليبيرو" المندثر وطلب من مواطنه خافي مارتينيز تقمصّه، فيما وضع الهولندي اريين روبن في مركز رأس الحربة الذي لم يعهده سابقاً.
ثأر غوارديولا من دورتموند 2-0 في مباراته الرسمية الاخيرة هذا الموسم بعدما خسر في اختباره الرسمي الاول امام الفريق نفسه.
كانت نهاية مثالية للموسم بالتأكيد. فتحقيق الثنائية المحلية عوّض بشكل شبه كافٍ خسارة "العرش الاوروبي".
قال المدرب الاسباني: "نشعر بسعادة بالغة. كان الموسم الاصعب بالنسبة الي لأنه اول فريق الماني ادربه، كما أحرز النادي ألقاب ثلاث بطولات كبيرة في الموسم الماضي. الفوز بأربعة ألقاب في موسم واحد امر جيد لكن لا يزال امامنا الكثير من العمل لنؤديه"، معتبرا ان الانتقادات التي انهالت بعد الهزيمة التاريخية امام ريال مدريد "مستحقة"، واعترف قائلاً: "أخطأت".
وتطرق الى مسألة اللغة قائلاً: "مستواي في الالمانية ليس جيداً بالقدر الكافي لاقناع اللاعبين بما أرغب فيه"، واضاف: "جئت الى فريق فائز بكل شيء بقيادة العزيز يوب هاينكيس. لكل مدرب أسلوبه الخاص، ومن الطبيعي ان يرغب أي مدرب في تغيير الامور. ادرك ان اللاعبين يتساءلون كثيراً عن السبب في التغيير بعد الفوز بكل شيء. تعلمت كثيراً هذا الموسم. أعتقد الآن انني مدرب افضل بعض الشيء، فقط بعض الشيء".
ونقلت صحيفة "سودويتشه تسايتونغ" الالمانية عنه قوله: "لم اشكل الفريق بعد بالطريقة التي اريدها. ارغب في التحدث بهذا الشأن مع قادة النادي"، علماً ان النادي ابرم صفقة ناجحة بكل المقاييس تتمثل بضم الهداف البولندي روبرت ليفاندوفسكي من بوروسيا دورتموند.
تولى "بيب" دفة الفريق الكاتالوني عام 2008 خلفاً للهولندي فرانك رايكارد بعد موسمين بلا ألقاب. كان عليه في بداية المطاف ان يفوز بحرب معنوية تتمثل بجعل لاعبي برشلونة في صفه.
اول لقاء مباشر معهم تمّ في اليوم الاول من المعسكر التدريبي في سانت اندروز (اسكتلندا) داخل قاعة مؤتمرات احد الفنادق.
في الطريق الى الاجتماع، كان يردد: "كن نفسك. كن نفسك"، بيد ان الارتباك ما لبث ان تبدد كونه قام بالعمل نفسه مع الفريق الرديف للنادي الذي كان يدربه قبل ان يرفّع الى الفريق الاول، مع العلم انه يعرف معظم العناصر كونه اشرف عليها سابقاً، لا بل لعب الى جانب عدد لا بأس منها.
بدأ بإلقاء محاضرته وحرص فيها على التركيز بين الفينة والأخرى في عيون احد الحضور، فارضاً نفسه متحدثاً موهوباً. لم يرتبك.
من ابرز ما جاء في ذاك اللقاء بحسب ما كشف عنه بعد سنوات عدد من الحضور بمن فيهم تشافي هرنانديز، اندريس انييستا، جيرار بيكيه، الفرنسي تييري هنري، الكاميروني صامويل ايتو، الارجنتيني ليونيل ميسي، والمدرب الراحل تيتو فيلانوفا: "انه فخر كبير بالنسبة الي. وفوق كل ذلك، اعشق هذا النادي. لن اتخذ اي قرار يصب في غير مصلحة برشلونة (...)"، واضاف: "مر الفريق بفترة صعبة للغاية اذ لم يكن الجميع على المستوى الاحترافي المفروض. حان الوقت كي يركض الجميع ويعطوا كل ما لديهم (...) انا قادر على مسامحة اي منكم في حال الوقوع بخطأ خلال المباريات لكن لن اسامح احداً في حال لم يعطِ كل شيء ومن صميم قلبه لبرشلونة... لا اطلب النتائج، فقط الاداء. هذا هو برشلونة يا سادة".
اراد اظهار نفحة ديموقراطية، بيد انه أصرّ على فرض اللغتين القشتالية والكاتالونية حصراً في الفريق، فضلاً عن وجوب تناول الوجبات كمجموعة سعياً منه لايجاد نوع من التواصل وبالتالي تقريب اللاعبين بعضهم من بعض.
وفي برشلونة، اعطى توجيهاته لتصميم صالة خاصة لتناول الوجبات يلتزمها اللاعبون، وهو ما لم يكن معمولاً به سابقاً، فضلاً عن منع حضور احد التدريبات وكسر القاعدة الاسبانية القديمة القائمة على جمع اللاعبين في الفندق ابتداءً من اليوم الذي يسبق يوم المباراة.
بالتأكيد لم يكن اول حديث لغوارديولا الى لاعبي بايرن مشابهاً لحديثه الاول مع لاعبي برشلونة، بيد انه ركّز على موقع النادي وتاريخه وبعض الامور الاخرى.
على رغم كل ذلك، خسر برشلونة اول مباراة له بقيادة غوارديولا امام فريق نومانسيا المغمور في دوري 2008 لكن الجميع يعلمون ماذا حقق للنادي بعد ذلك.
تتشابه تلك البداية مع ما عايشه "بيب" في انطلاق مسيرته مع بايرن عندما خسر امام دورتموند في كأس السوبر الالمانية، وها هو يبقي العملاق البافاري على سكة الانتصارات من خلال رباعية القاب مميزة بنهاية الموسم.
تلك المرأة التي القت بنفسها من اعلى برج ايفل قبل اعوام كانت محظوظة، فقد سقطت على سقف احدى السيارات المارّة ولم تفارق الحياة، بل إنها تزوجت بعد فترة بسائق السيارة نفسها.
هكذا غوارديولا، بدا وكأنه رمى بنفسه في النار لدى وصوله الى بايرن، الا انه لم "يمت" بل منح الفريق ما يستحق عليه ثقته به في رحلة يتبقى منها موسمان، وربما تمتد اكثر من ذلك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق