منشور في "الراي" الكويتية
كتب: سهيل الحويك
بعد التتويج المدوي في بطولة كأس العالم 2006، بدا وكأن كرة القدم الايطالية دخلت نفقاً مظلماً بفعل خروج «الآتزوري» من الدور ربع النهائي لـ«يورو 2008» والاقصاء التاريخي من الدور الاول لمونديال 2010.
واستناداً الى المبدأ القائل بأن «البطل لا يموت»، بحثت ايطاليا «جينياً» عن موقعها الضائع في المقدمة، وبدا «يورو 2012» بمثابة خشبة خلاص خصوصا ان المنتخب بلغ النهائي الا انه سقط امام اسبانيا صفر- 4.
كان الاختبار الاول للمدرب تشيزاري برانديللي، بيد ان الاخير وضع نصب عينيه مونديال 2014 فبلغ بفريقه النهائيات، الا انه عجز عن الذهاب بعيداً بعد الخروج المذل من الدور الاول.
لا يمكن النظر الى واقع الكرة الايطالية من خلال نتائج منتخبها فحسب، بل يتوجب وضع الاصبع على جروحات في غير مكان، وهي الخطوة التي اقدم عليها اريغو ساكي، مدرب ميلان و«المنتخب الازرق» سابقاً والذي يصنّف خبيراً في شؤون اللعبة على مستوى العالم.
اطلق ساكي العنان لناقوس الخطر من خلال مقال صحافي قبل سنوات بدأه قائلا: «ينبغي أن يثير الإنذار الذي أطلقه الاتحاد الدولي بشأن مستقبل كرتنا قلق الجميع. أصدر الاتحاد أرقاما مفزعة تؤكد أن إيطاليا لا تتفوق سوى على قبرص في ما يتعلق بمتوسط أعمار اللاعبين وان الثقة في الشباب غائبة»، واضاف: «كان من المعروف أن إيطاليا ليست بلدا للشباب، لكن أحدا لم يكن يشعر بأنها بلد يميل الى اللاعبين الأجانب. في الفترة من 1989 الى 1999 كان هناك ما بين 66 و229 لاعبا أجنبيا فقط في إيطاليا وكانت النوادي المحلية تحقق الكثير من الإنجازات. وصلت فرقنا إلى نهائي دوري أبطال اوروبا في تلك الفترة ثماني مرات وحصدت اللقب في خمس منها، وتأهلت أيضا 10 مرات الى نهائي كأس الاتحاد الأوروبي («يوروبا ليغ» حاليا) وتوجت تسع مرات. اليوم لدينا 1100 لاعب أجنبي لكن النوادي باتت أقل قدرة على المنافسة. لم تصل إلى نهائي دوري الأبطال سوى خمس مرات فازت في ثلاث منها، بينما عجزت عن التأهل الى نهائي كأس الاتحاد الاوروبي بمسماه الجديد».
وتساءل: «لماذا نستمر نحن في التعاقد مع اللاعبين الأجانب على رغم أن الدول المعروف عنها الاعتماد عليهم مثل فرنسا وإسبانيا وإنكلترا وألمانيا تنتهج الآن سياسة معاكسة تماما؟»، وتابع المدرب الذي قاد ايطاليا الى نهائي كأس العالم 1994: «أصبحت الفرق الإيطالية أكبر سنا وأعتقد أن الامر طبيعي في بلد يعشق كرة القدم لكنه لا يعتبرها رياضة ذات قواعد يجب الالتزام بها أو وسيلة لتقديم عروض رياضية ممتعة وممنهجة. كرة القدم بالنسبة لنا ظهور اجتماعي ويجب علينا أن نفوز دائما لنثبت أنه لا ينقصنا شيء بالمقارنة مع دول اكثر تقدما. يعتبر الفوز الحل الوحيد ونحن نبحث عن تحقيقه من خلال الوسائل التي نجيدها وهي الخبث وفن تسيير الأمور. لا يساعد ذلك على خلق مناخ هادئ يسمح بالمنافسة أو بظهور ميزانيات سليمة وتخطيط جيد على المدى البعيد. ومع العجز في ميزانيات النوادي الإيطالية، بات من الواضح أن كل ما يشغل بال هذه الفرق هو البقاء في دائرة الضوء بعيدا عن واجب الإنفاق على المنشآت الرياضية وقطاعات الناشئين التي تمثل المستقبل. ولو أن ما يحدث عندنا يحدث في العالم بأسره لما كان هناك تعاقب جيد في الأجيال ولكتب لكرة القدم الاندثار».
وعرج ساكي على بعض التفاصيل عندما قال: «تستثمر النوادي الإيطالية في المعتاد أقل بكثير (2 إلى 5 في المئة من ميزانيتها) من النوادي الكبرى في أوروبا (من 5 إلى 10 في المئة) على المنشآت وقطاعات الناشئين. ريال مدريد الاسباني ينفق من 35 إلى 40 مليون يورو سنويا على هذا الجانب، مع العلم ان مواطنه برشلونة يتجاوز هذا الرقم. وتعاني الفرق الإيطالية من غياب المنشآت الرياضية الملائمة وغياب أي مشروع فني متكامل لدى مدربي قطاعات الناشئين. أصبحت فرنسا دولة كروية كبرى بعد 1970 عندما أجبر الاتحاد المحلي النوادي على إنشاء مراكز تدريب للشباب (16 إلى 18 سنة) وللمدربين المؤهلين على المنافسة الطويلة والقوية. يدرس الشباب ويتدربون في تلك المراكز خلال اسبوع لعدد من الساعات يعادل عدد الساعات التي يتدرب فيها شبابنا عادة في شهر كامل. وهو ما فعلته ألمانيا بعد 2000 وها هي اليوم تحصد النتائج. لا ينطبق هذا الامر على المنتخبات الإيطالية لا سيما الصغيرة منها. ويبدو لي ذلك طبيعيا في بلد ينظر الى كرة القدم في المقام الأول على أنها لعبة دفاعية وفردية، ويقال فيها إن الفوز يتحقق عن طريق حماية المرمى من الاهداف (وليس تسجيل الاهداف). يحاول الجميع في إيطاليا حل مشكلات رياضة جماعية مثل كرة القدم عن طريق الأفراد وليس الفريق أو الأداء الجماعي».
وختم: «لا شك في أن أمامنا الكثير لنقوم به إذا أردنا تجديد وتطوير أنفسنا في كرة القدم. ينفق اتحادنا المال والوقت من أجل منح المنتخب فرصة لخوض مباريات ودية دولية ومنح لاعبينا الخبرة والمعرفة، لكن منافسة الكبار تحتاج إلى استثمارات أكبر من جانب النوادي وتخطيط وتعاون أكبر يزيدان من معارف وخبرات اللاعبين الشباب. هذا فقط ما يضمن مستقبلا طيبا».
صرخة ساكي شكلت مفترقاً نظرياً بالنسبة لـ«افضل رياضة في العالم»، وهي التسمية التي يحلو للطليان اطلاقها على كرة القدم، بيد انه يبدو ان أحداً لم يسمعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق